top of page
Search

مدينةُ الوحل

  • Writer: Abed El-Hakim El-Kadiry
    Abed El-Hakim El-Kadiry
  • May 26, 2019
  • 2 min read

ree
"فلنهرب من هذه المدينة، الآن الآن وليس غدًا"

أقول وقد ناحَ فوقنا الغيم "فلنهرُب من هذه المدينة، الآن الآن وليس غدًا!".


"إنّها مدينتي!"- تبتسمين، شاهرةً راحتك في وجهي، ورائحة الدّخان والقمامة تهبّ من كلّ الجهات - "ومن يكره مدينتي يكرهني".


فليحترق هذا العالم، ولتحترق بساتين كرامتي الحامضة، "أكرهك، أجل، أكرهك لأنّكِ نقعتِني – أنا الذي لا يبلّلُني شيء - في بركة من الوحل، كنت أسمّيها يومًا... الحبّ". تقرصيني في بطني لأنّي لا أجيد الرّومنسيّة لثانيتين متتاليتين، من دون أن أنسف عُرْضَها في ثانية. تضحكين. وأضحك. إنّها المرّة الأولى التي أتمنّى فيها أن نظلّ واقفَيْن هكذا، تحت رحمة المطر، ننتظر فانًا طال مجيؤه، عسى تظلّ عيناي تلعقان عن شفتيك البلل.


تسألين وقد تماديتُ في التّفرّس فيكِ "أيعيبُ وجهي شيء؟"


أبتسم، نافيًا بإيماءة.


تقرصيني - هذه المرّة في الخدّ - لتعيديني من خيالٍ لا بدّ لمحتِه في بؤبؤيّ، إلى شارع مدينة تعرفين أنّها تقبّح العشّاق من أجل أن تُكحِّل الموتى.


نركب فان رقم 4. لا أدري إلى متى سنضطرّ أن نحزّم أرواحنا في مقاعده الرّثّة، وفوق ذلك نُسلم آذاننا لتغوُّط أغنياته.

أسألك "هل أخطؤوا في تسميته؟". لا تفهمين النّكتة. أجيبُني "بقيادة كهذه سنمرّ حتمًا بالجحيم. لذا فإنّه كان يجب أن يكون فان رقم 666". تقولين وقد نسفتِ الدّعابة، رغم حرصك الجميل على ألّا تشعريني أنّ نكتي سوداويّة ومملّة وسمجة، "مع الأيّام ستعتاده مثلي". لكنّي أعلم أنّي لن أفعل. أنا حبيبتي لا أفهم الهمجيّة، ويُتَلْتِلُني كلّ ما يمشي بشكل أعوج. لكنّي أستعين بعينيك، فيستقيم في ذهني كلّ شيء، وينتظم في صدري هذا السّيرك الأخرق.


نجتاز صور الموت والرّايات السّوداء، لقد أصبحت كثيرةً لا تطاق، وما عادت معانيها تلمس سوى المعدة، وها هي الآن على وشك أن تفرغ كلّ محتوياتها.


نصل إلى بشارة الخوري. هنا، يُسئمك ارتياحي المفاجىء، الذي لا أعرف أن أجد له سببًا، أو أعرف ذلك وأتغاضى. في عينيك أروح أستطلع الإتّهامات المعتادة: مناطقيّ، طائفيّ، طبقيّ، إزدواجيّ... ولكن، لا ألتفّ على أيِّها؛ أتقّبلها منك بصدرٍ رحب. في النّهاية، كلّنا مصابون باللّوثة.


الحمرا. أنتِ. وأنا.


أودّ لو أصرخ وسط الشّارع الذي أنتبه كما في كلّ مرّة إلى أنّه لم يعد يبدو كما كان، صار كما لو أنّه هاربٌ من مسلسل تليفزيونيّ فقير الإنتاج، أودّ لو أصرخ، "أحبّك، أجل، أحبّك لأنّكِ نقعتِني – أنا الذي لا يبلّلُني شيء - في بركة من الوحل، أسمّيها اليوم... الحبّ". لكنّ الجبن يهزمني، فأبتلع لساني كالعادة.


أمسك يدك - باردة كهذ الخاطرة - ونسير بمباركة المطر: إثنان لن يلتقيا. إثنان لم يلتقيا. أنا الحقيقة، مرّةٌ كهذه القهوة. وأنتِ المدينة الوحيدة التي أمشي بين شوارعها حيًّا.

 
 
 

Recent Posts

See All

Comments


© 2019 by Abed El Hakim El Kadiry. Proudly created with Wix.com

bottom of page