26
- Abed El-Hakim El-Kadiry
- May 5, 2020
- 1 min read
لم يختَر فوّاز فؤاد السّمان أن يكون عامه السّادس والعشرين عام استشهاده. ولو كان أيضًا يملك ترف نَيْل الأمنية الأخيرة، لما آثرَ أن تكونَ رصاصةُ الموظّف الذي يحيا من فضلِ جيبته الوسيلةَ لموته.
في عالم كعالمك، يخطبُ فيه رجل الدّين أمام الحشود "قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلّا ما شاء الله"، ويخرج فيه الرّئيس يصرّح للمواطن "انشالله خير"، وتمسح فيه الأمُّ دمعةَ ابنتها فتقول "بكرا الله بيحاسبه"، وَيُرَبِّتُ فيه المدير على كتف موظّفه المفصول "خلّيها ع الله"، ويَنْهَرُ فيه الأستاذُ تلميذه السّائل "العلم عند الله"... في عالمٍ كهذا من البديهيّ أن تربوَ بدماغ عصفور. قوتُك يُعَلَّبُ لك. ماؤكَ بين راحتي غيرك. وخيوط الشّمس مقابلَ أن تجثمَ وتغنّي. لا حاجة لك يا صديقي أن تفتح باب القفص وتطير. هكذا آمَن.
ولكن، ذات يوم ستتخطّى عتبة الخوف وتفعلُها.
ستكتشفُ أنّ ثمّة الملايين ممّن سبقوك، وغيرهم ممّن سيلحقون بك، كلٌّ في أوانه. لستَ الوحيد إذن في موسم الهجرة إلى المجهول. أجل، المشوارُ شاقٌّ وطويل، والانطلاق من الصّفر يحمل على الأرق والتَّوجُّس والقلق. لا أحد بمأمن من رصاصات الحياة التي قد تعطب الأجنحة، ولا أحد على بَيِّنَةٍ من هويّة اليد مطلقتها. ولكن أقلّه سترى، ستتعلّم، ستشغّل سائرَ حواسّك. ستقول: شِئْتِ يا نفس وَأَبَيْتِ، أنتِ الشّرُّ والخيرُ أنتِ، أنتِ السّؤالُ والحسابُ، وأنتِ العالمةُ بالجوابِ. والأهمُّ من كلّ ذلك بعدُ... ستهتدي إلى خياراتك. ستروح تفردها أمامك كما كانوا في القفص يفردون أنواع الخبز الفاسد. ستجدها كثيرةً، فائقة أحيانًا لاستيعابك. ولكنّك سَتَعدادُ التّرف. ترفُ الخَيار ليس مِنّةً يتوجّب عليك بعدها أن تجثمَ وتغنّي لأحد. حين تتعارفان - أنتَ وخياراتك - ستجدُ أنّها ليست سوى امتداداتٍ لك، إسقاطاتٍ منك، كالأجنحة التي تطلقُها في المنام ولا تضمر حتّى بعد أن تفتحَ عينيك.
الحياةُ يا صديقي حين تفتحُ عينيك.




Comments